قد تتساءل: هل يقتصر دور الزكاة على تقديم مساعدة مؤقتة للفقراء، أم يمكن أن تكون وسيلة حقيقية لإخراجهم من دائرة الحاجة نهائيًا؟
في زمن تتزايد فيه التحديات الاقتصادية، بدأ كثير من المسلمين يبحثون عن طرق أكثر وعيًا لإخراج زكاتهم، طرق تجمع بين أداء الفريضة الشرعية وتحقيق أثر اجتماعي طويل المدى.
من هنا ظهر سؤال مهم: هل يجوز استخدام الزكاة في تمويل مشروع صغير لشخص محتاج بدل إعطائه مالًا يستهلكه خلال أيام؟
هذا السؤال لا يهم فقط المزكّي، بل يهم أيضًا المحتاج الذي يبحث عن فرصة حقيقية للاستقلال المالي، ويهم الجمعيات والمؤسسات التي تسعى لتحويل الزكاة من إعانة آنية إلى أداة تمكين اقتصادي.
في هذا المقال، إذا كنت تبحث عن فهم واضح ومتوازن، ستجد:
- تعريفًا دقيقًا للزكاة وأهدافها الحقيقية.
- توضيحًا للحكم الشرعي في تمويل المشاريع من أموال الزكاة.
- طرحًا عمليًا بعيدًا عن التعقيد الفقهي أو التنظير المجرد.
رائد أعمال مغربي بخبرة تتجاوز 10 سنوات في المشاريع الرقمية و6 سنوات في المشاريع الواقعية داخل وخارج المغرب. تمت مراجعة هذا المحتوى لضمان دقته وملاءمته لعام 2025-2026.
نعم، يجوز شرعًا إعطاء الزكاة لتمويل مشروع صغير إذا كان المستفيد من الفقراء أو المساكين، وكان المشروع وسيلة حقيقية لإخراجه من الحاجة. وقد أجاز ذلك عدد من الفقهاء المعاصرين بشرط الالتزام بمصارف الزكاة وتحقيق المصلحة للمستحق.
ما المقصود بالزكاة وما أهدافها الحقيقية؟
لفهم فكرة تمويل المشاريع من الزكاة، من المهم أولًا أن نعود إلى جوهر الزكاة نفسها، بعيدًا عن الممارسة الشكلية أو الفهم الضيق لها.
تعريف الزكاة في الإسلام
الزكاة فريضة مالية أوجبها الإسلام على المسلمين الذين بلغ مالهم النصاب وحال عليه الحول، وهي حق معلوم يُؤخذ من أموال الأغنياء ويُعطى لمستحقيه كما حدّدهم القرآن الكريم.
وليست الزكاة تبرعًا اختياريًا، بل عبادة مالية لها شروط وضوابط ومقاصد واضحة.
ومن المهم أن تعرف أن الزكاة تختلف عن الصدقة من حيث:
- الإلزام: الزكاة واجبة، والصدقة تطوعية.
- المصارف: الزكاة محصورة في مصارف محددة.
- الهدف: الزكاة تهدف إلى إصلاح اقتصادي واجتماعي منظم، لا مجرد عطاء عاطفي.
لماذا شُرعت الزكاة؟
شُرعت الزكاة لتحقيق مجموعة من الأهداف العميقة، من أبرزها:
- تحقيق التكافل الاجتماعي الحقيقي، لا المؤقت.
- إعادة توزيع الثروة بشكل عادل داخل المجتمع.
- حماية الفقير من الذل والحاجة الدائمة.
- تمكين الإنسان من العيش الكريم والعمل والإنتاج.
ومن هنا نفهم أن الزكاة لم تُشرع لإبقاء الفقير فقيرًا، بل لمساعدته على تجاوز الفقر. وهذا المعنى هو الأساس الذي يُبنى عليه النقاش حول تمويل المشاريع الصغيرة من أموال الزكاة.
هل يجوز شرعًا استخدام الزكاة في تمويل المشاريع؟
هذا هو السؤال الأكثر حساسية، ويحتاج إلى إجابة دقيقة بعيدة عن التبسيط المخل أو التشدد غير المبرر.
رأي الفقهاء المعاصرين
اتفق جمهور العلماء على أن الزكاة لا تُعطى إلا لمصارفها الثمانية، وعلى رأسهم الفقير والمسكين.
لكن الخلاف لم يكن في من تُعطى له الزكاة، بل في كيف تُعطى.
كثير من الفقهاء المعاصرين يرون أن:
- إعطاء الزكاة لفقير على شكل وسيلة إنتاج (مشروع، أدوات عمل، رأس مال بسيط) جائز.
- بل قد يكون أولى من إعطائها مالًا يُستهلك سريعًا.
- بشرط أن يبقى المال داخل إطار تمليك المستحق أو تمكينه الحقيقي.
وقد استند هذا الرأي إلى مقاصد الشريعة، وإلى آثار عن الصحابة في إعطاء الفقير ما يغنيه لا ما يسد حاجته مؤقتًا فقط.
الشروط الأساسية للجواز
لكي يكون تمويل المشروع من الزكاة جائزًا، يجب توفر الشروط التالية:
- أن يكون مصدر المال حلالاً وطيباً، وأن يمتلكه المسلم ملكاً تاماً.
- أن يكون المستفيد فقيرًا أو مسكينًا فعليًا.
- أن يكون المشروع مناسبًا لقدراته وخبرته.
- أن تكون الزكاة وسيلة لإخراجه من الحاجة، لا مخاطرة غير محسوبة.
- ألا تتحول الزكاة إلى استثمار يعود نفعه للمزكّي.
متى لا يجوز استخدام الزكاة للمشاريع؟
لا يجوز استخدام الزكاة في الحالات التالية:
- إذا كان المستفيد غير مستحق شرعًا.
- إذا استُخدمت الزكاة كمشروع ربحي للمزكّي نفسه.
- إذا كان المشروع وهميًا أو عالي المخاطر دون دراسة.
- إذا أُعطيت الزكاة على شكل قرض مشروط بالرد.
من المهم أن تعرف أن النية الحسنة وحدها لا تكفي، بل لا بد من الالتزام بالضوابط الشرعية والعملية معًا.
من هم المستحقون للزكاة المؤهَّلون لتمويل مشروع؟
قبل التفكير في تمويل أي مشروع من أموال الزكاة، من المهم أن نحدّد بدقة من هو الشخص الذي يجوز إعطاؤه الزكاة أصلًا، ثم من هو المؤهَّل منها ليحوّل هذا المال إلى مصدر دخل حقيقي.
الفقير والمسكين في سياق تمويل المشاريع
الفقير والمسكين هما الأساس في هذا الباب، لكن الفهم العملي لهذين الوصفين هو ما يهمنا هنا، لا التعريف النظري فقط.
- الفقير: من لا يملك ما يكفيه لحاجاته الأساسية، ولا يملك وسيلة ثابتة للدخل.
- المسكين: من لديه دخل أو عمل، لكنه غير كافٍ لتغطية احتياجاته الضرورية.
في سياق تمويل المشاريع، كلاهما قد يكون مستحقًا للزكاة، بشرط:
- أن لا يكون لديه رأس مال فعلي قادر على تشغيله.
- أن يكون بحاجة حقيقية إلى الدعم ليستقر اقتصاديًا.
ليس كل فقير مناسبًا لمشروع، لكن كل مشروع زكوي ناجح يبدأ باختيار فقير مناسب.
شروط الشخص المناسب لتمويل مشروع من الزكاة
لكي تحقق الزكاة هدفها ولا تُهدر، يشترط في المستفيد:
- القدرة الجسدية أو الذهنية على العمل.
- الاستعداد النفسي لتحمّل المسؤولية.
- وجود مهارة، خبرة، أو قابلية للتعلّم.
- أن يكون المشروع متوافقًا مع واقعه الاجتماعي والاقتصادي.
من المهم أن تعرف أن الزكاة ليست تجربة تجارية، بل وسيلة تمكين، لذلك الواقعية هنا أهم من الطموح المبالغ فيه.
كيف تُستخدم الزكاة عمليًا في تمويل المشاريع الصغيرة؟
بعد وضوح الحكم الشرعي وتحديد المستحق، يبقى السؤال العملي: كيف تُطبَّق هذه الفكرة على أرض الواقع دون مخالفة شرعية أو فشل عملي؟
التمويل النقدي أم التمويل العيني؟
هناك طريقتان شائعتان لاستخدام الزكاة في المشاريع:
1) التمويل النقدي
- إعطاء المستفيد مبلغًا ماليًا ليبدأ مشروعه.
- مناسب في حالات نادرة تتوفر فيها الثقة والخبرة العالية.
2) التمويل العيني (الأكثر أمانًا)
- شراء أدوات العمل أو المعدات.
- دفع إيجار محل بسيط.
- توفير المواد الأولية للمشروع.
غالبًا ما يُفضَّل التمويل العيني لأنه:
- يقلّل سوء الاستخدام.
- يضمن توجيه الزكاة لهدفها.
- يحمي المستفيد من الوقوع في ديون أو إنفاق خاطئ.
خطوات تطبيق نموذج صحيح لزكاة المشاريع
لتطبيق الفكرة بشكل سليم، يُنصح باتباع الخطوات التالية:
- التأكد من استحقاق الشخص للزكاة.
- دراسة بسيطة لفكرة المشروع (دون تعقيد).
- تحديد الاحتياجات الفعلية للمشروع.
- تقديم الزكاة بشكل مباشر يخدم المشروع.
- متابعة خفيفة في البداية لضمان الاستقرار.
هذه الخطوات لا تحوّل الزكاة إلى عبء إداري، لكنها ترفع نسبة النجاح بشكل واضح.
دور الجمعيات والمؤسسات في إدارة زكاة المشاريع
في الواقع العملي، لا يقوم معظم الأفراد بتطبيق هذا النموذج بمفردهم، بل يتم عبر جمعيات ومؤسسات متخصصة، وهذا غالبًا الخيار الأفضل.
لماذا تُعد المؤسسات خيارًا أكثر أمانًا؟
الجمعيات الخيرية الموثوقة تمتلك:
- خبرة في دراسة الحالات الاجتماعية.
- لجان شرعية تشرف على صرف الزكاة.
- آليات متابعة وتقييم.
- شفافية في التقارير والنتائج.
وهذا يقلّل من الأخطاء الشائعة التي قد يقع فيها الأفراد بحسن نية.
نماذج عمل شائعة لدى الجمعيات
من أكثر النماذج انتشارًا:
- تمويل مشاريع فردية صغيرة.
- دعم مشاريع أسرية.
- برامج تمكين اقتصادي مع تدريب مهني.
- توفير أدوات العمل بدل المال النقدي.
هذه النماذج أثبتت نجاحها في تحويل الزكاة من إعانة مؤقتة إلى حل طويل الأمد.
أمثلة واقعية لمشاريع موّلتها الزكاة
لفهم الصورة بشكل أوضح، إليك أمثلة عملية شائعة:
- ماكينة خياطة لامرأة تعيل أسرتها.
- عربة طعام بسيطة لشاب بلا عمل ثابت.
- أدوات نجارة أو حدادة لحرفي.
- مشروع تربية دواجن أو ماشية صغير.
القاسم المشترك بين هذه المشاريع هو:
- بساطة الفكرة.
- انخفاض التكلفة.
- ارتباطها بمهارة حقيقية.
أخطاء شائعة عند إخراج الزكاة للمشاريع
رغم حسن النية، يقع بعض الناس في أخطاء تؤدي إلى فشل التجربة، مثل:
- تمويل شخص غير قادر على إدارة المشروع.
- اختيار مشروع أكبر من الواقع.
- غياب المتابعة الأولية.
- الخلط بين الزكاة والاستثمار الربحي.
تجنّب هذه الأخطاء يحفظ الزكاة ويُعظّم أثرها.
قيمة إضافية: لماذا تُعد زكاة المشاريع أكثر أثرًا؟
هنا يظهر الفرق الحقيقي بين نوعين من الإعطاء:
الإعانة المؤقتة
- تسد حاجة عاجلة.
- تعود المشكلة بعد فترة قصيرة.
تمويل مشروع من الزكاة
- يخلق مصدر دخل.
- يعيد الكرامة.
- يخفف الحاجة المستقبلية للزكاة.
في كثير من التجارب الواقعية، تحوّل مستفيدو زكاة المشاريع بعد سنوات إلى مزكّين أنفسهم، وهذا هو الهدف الأسمى.
إذا كنت مهتمًا بتمويل مشروع من زكاتك، لكنك لا تعرف شخصًا مستحقًا، أو تخشى أن لا تصل زكاتك إلى وجهتها الصحيحة، فبإمكانك التواصل معي مباشرة.
سنبحث معًا عن أفضل جهة أو شخص مستحق، وندرس الخيار الأنسب لضمان أن تُخرج زكاتك بطريقة صحيحة ومؤثرة، تجمع بين الأجر الشرعي والأثر الواقعي. الهدف هو أن نتشارك في فعل الخير بوعي، وأن تصل الزكاة إلى من يستحقها فعلًا وتُحدث فرقًا حقيقيًا في حياته.
الخاتمة
الزكاة ليست مجرد رقم يُخرج مرة في السنة، بل منظومة متكاملة تهدف إلى إصلاح الإنسان والمجتمع. وعندما تُستخدم الزكاة بوعي، يمكن أن تتحول من مساعدة مؤقتة إلى أداة تمكين حقيقية تغيّر حياة أفراد وأسر كاملة.
تمويل المشاريع الصغيرة من الزكاة، إذا التزم بالضوابط الشرعية والعملية، يُعد من أنجح صور إخراج الزكاة في العصر الحديث. فهو يجمع بين أداء الفريضة، وتحقيق المقصد، وبناء أثر مستدام.
إذا كنت تفكر في إخراج زكاتك هذا العام، فربما حان الوقت لتسأل نفسك:
هل أبحث عن إسقاط الواجب فقط، أم عن صناعة فرق حقيقي؟
تنويه: المعلومات المقدَّمة هنا ليست نصيحة مالية أو قانونية رسمية. يجب على القارئ التحقق من القوانين المحلية لأن ما يتم مشاركته معلومات للتوجيه فقط قبل بدء أي مشروع.




